السبت، 12 يناير 2013

طارق محجوب المرسال مشى وماجاء


بسم الله الرحمن الرحيم
طارق محجوب -- المرسال مش وما جاء
  بدت في العشرين سنة الأخيرة ظاهرة مقلقة في الأحزاب السياسية السودانية ولو كان الأمر مقتصراً على الأحزاب الصغيرة أو الحركات الحديثة لقلنا ذلك لعدم خبرتها في العمل السياسي وحداثة تجربتها التنظيمية أما أن يضرب الأمر الأحزاب العريقة  فهو مدعاة للتأمل وسأتعرض للمشهور منها وأترك الدراسة بالتفصيل لمراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية (رد الله غربتها) .
ففي مطلع القرن الواحد والعشرين وبعد مرور عشر سنوات على على حكم الإنقاذ تقدم الإمام الصادق المهدي بخطوة جريئة بالحوار مع النظام فيما سمي بـ(نداء الوطن) خصوصاً وأن الحوار تم بعد إنشقاق الترابي عن الأنقاذ التي أشفق عليها الكثيرون  من استفراد السياسي المحنك سليل المهدي بها وإجبارها على تقديم تنازلات كبيرة كإستحقاق للإتفاق مع حزب رئيس الوزراء المنتخب قبل الانقلاب في االثلاثين من يونيو89 .فقدم حزب الأمة القومي أمينه العام السيد/مبارك الفاضل رئيساً لوفده المفاوض للنظام ، وبعد جولات تفاوضية تم الاتفاق على وثيقة (نداء الوطن ) وبموجبها كان على حزب الأمة المشاركة في السلطة الا أن الإمام الصادق تراجع عن الخطوة برفض المشاركة مما أحرج الأمين العام للحزب الذي تمسك بالاتفاق بداعي المؤسسية ليجد مبارك الفاضل نفسه وحيداً في القصر الجمهوري ومنشقاً عن حزبه ليؤسس حزب الأمة الإصلاح والتجديد. كما لم يتوانى السيد الصادق المهدي من فصل نائبه السيد نصرالدين المهدي عن الحزب بعد توقيعه على ميثاق الجبهة الثورية وهو نفس المصير الذي استحقه القياديان بالحزب الاتحادي الديموقراطي علي محمود حسنين والتوم هجو من السيد /محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب.
وهو  ذات الشئ الذي حدث مع العديد من حركات دارفور المسلحة ،فكلما تقدم فصيل منها يحاور النظام الا كانت النتيجة انشقاقه لنصفين وكان أشهر هذه الإنشقاقات إنقسام فصيل عبدالواحد نور بعد مفاوضات أبوجا ليعين مني أركو مناوي مساعداً لرئيس الجمهورية .ولم تسلم حركة العدل والمساواة من مصير حركة عبدالواحد نور حتى تكاثرت الحركات المسلحة الدارفورية الى أكثر من عشرين فصيلاً.

  الا أن هذا الطوفان  لم يستثن حزب الحكومة حيث وقع الدكتور نافع علي نافع إتفاقاً مع الحركة الشعبية قطاع الشمال في أديس أبابا فيما عرف بإتفاق نافع –عقار ،الذي نقضه الرئيس البشير من على منبر مسجد النور بضاحية كافوري .
أما حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي كان أكثر حظاً في ذلك حيث وجد الأستاذ/عبدالله حسن أحمد  نائب الأمين العام  نفسه في مواجهة  مع حزبه بعد التوقيع على وثيقة  الدستور الإسلامي  ،زائداً تصدي الدكتور الترابي بنفسه والقفز فوق توقيع أمينه السياسي على دستور   انتقالي يدعو  للعلمانية صراحة ليخرج   د.الترابي   بحنكته السياسية من  هذا المأزق .أما ثالثة  الأسافي توقيع المهندس طارق محجوب على وثيقة الفجر الجديد بكمبالا بمعايبها البائنة من فرض للعلمانية وطول الفترة الإنتقالية وإقرار العمل المسلح وتقسيم أقاليم السودان على أساس عرقي وإعادة تشكيل الدولة السودانية على أساس ثقافي عرقي لاسياسي دستوري ، مما جعل أمانة الحزب وبالإجماع ترفض الوثيقة وتتبرأ من تفويض المهندس /طارق محجوب إنابة عنها في كمبالا .
أما الظاهرة المشتركة في كل الأحداث هي موافقة الأحزاب وبعلم رؤسائها وأجهزتها بذهاب هذه القيادات للتفاوض عنها ثم تتنصل عن إتفاقاتهم بعد أن يستدرك رؤسائها ليجد المفاوض نفسه بين الوفاء للعهد الذي أبرمه أو الخضوع لقرار رئيسه وينقض الإتفاق . وغالباً ما يختار الالتزام بما وقع عليه والإنشقاق عن حزبه .الا في حالة الإسلاميين ،ففي المؤتمر الوطني إنحنى الدكتور /نافع علي نافع للعاصفة وآثر الإستمرار في منصبه وعدم مصادمة الرئيس البشير ،وكذلك فعل الإستاذين/ عبدالله حسن أحمد وكمال عمر عبدالسلام عند رفض إتفاقهما من قبل دكتور الترابي . فهل ذلك راجع إلى إلتزامهما التنظيمي أم الى خلفيتهما العقدية القائمة على طاعة الأمير.؟
ونحن هنا معنيبن بإتفاق كمبالا وحق لنا أن نتساءل ،كيف فات على المهندس /طارق محجوب وهو من نال تدريب استراتيجي قائم على جمع المعلومات وتحليلها بحكم أنه ضابط أمن سابق .وكيف فات عليه أن يقرأ أفكار الدكتور الترابي    ومطلوبات المرحلة في حزبه .فبينما وافق حزب المؤتمر الشعبي على مذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق قبل الإنفصال بل دفع ثمناٌ إعتقال متطاول في سجون النظام للأمين العام وغالب قياداته بالمركز والولايات ، وهي التي قامت على العمل من أجل استدامة الحرية والإلتزام بالعمل السلمي مع موافقة الحركة الشعبية للتحول لحزب سياسي مع إقرارها بالدين مكون دستوري للسودان .ومقارنة هذا الموقف مع رفض الترابي وحزبه لوثيقة الدستور الإسلامي التي وقع عليها نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي مع قوى إسلامية سلفية وصوفية من بينها الحزب الحاكم . كما رفض توقيع الأمين السياسي على دستور يعرف السودان على أنه دولة مدنية مع قوى الإجماع الوطني بحجة أن تفسيرها أقرب الى العلمانية ، لينبري لها دكتور الترابي رافضاً ومحاوراً حتى خرج على الإعلام مهدداً بخروجه من التحالف المعارض إن لم تسحب كلمة المدنية من التعريف .
فمن المؤكد أن المهندس/طارق محجوب المتواجد في كينيا طار الى كمبالا بعد اتصال به من قبل الخرطوم فهو غير معروف عنه النشاط الإعلامي ولا السياسي بالمقابل فهو غير معروف للقوى المعارضة بالخارج مما يستوجب التعريف به وهذا ما ألمح إليه الأستاذ /ياسر عرمان في تصريحات صحفية مؤخراً . ولكن المحير في الأمر لماذا وقع الإختيار على المهندس /طارق محجوب لتمثيل حزب المؤتمر الشعبي في حوار كمبالا وهو الخطوة المهمة في في تطور المشهد السياسي المعارض بإجتماع القوى السياسية بالداخل مع المعارضة المسلحة بالخارج ، مع العلم أن بعض القوى والأحزاب والحركات مثلت في هذا الإجتماع بمستوى رفيع بدرجة رئيس الحزب كما في حال مالك عقار والاستاذة/هالة عبد الحليم والأستاذ/عبدالواحد نور والدكتور/جبريل إبراهيم ولم يغب السيد/مبارك الفاضل بثقله القيادي داخل حزب الأمة القومي رغماً عن وجود ممثل لحزب الأمة في هذا الإجتماع . فكان الأولى وجود الدكتور /علي الحاج محمد نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي وبخبرته في التفاوض من لدن فرانكفورد 1992م الى أبوجا وكل جولات التفاوض مع الحركة الشعبية في العشرية الأولى من الإنقاذ .وهو الموجود بالخارج حيث يقيم في ألمانيا ،أو الإستعانة بالأستاذ/المحبوب عبد السلام رجل مذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية بسويسرا التي يمكن أن تسعفه بنجاحات ومكاسب يوافق عليها حزبه .
لكن المهندس/طارق محجوب لاينقصه الذكاء ولا العلم ولا الدراية ومع ثورة الاتصالات لم يكن وحيداُ فيمكنه مشاورة الثقاة أو الأماتة السياسية بالخرطوم فمن الذي دفع به لمهر إسمه في هكذا إتفاق لم تسعف حتى الذين دفعوا به الى التفاوض بالدفاع عنه وعن الوثيقة حتى تعالت أصوات بمحاسبته بل طالبت بفصله من الحزب لمخالفة الوثيقة للنظام الأساسي للحزب ولمنهجه الفكري وإرثه التاريخي مما دعى أمانة الطلاب بالمؤتمر الشعبي بإصدار بيان ترفض فيه وثيقة الفجر الجديد . فقد كان ومأمولاً في المهندس/طارق محجوب أن يذهب إلى كمبالا يحمل عصارة علمه وفكره ويضع كتاب المؤتمر الشعبي على طاولة التفاوض يقنع به الآخرين مستصحباً معه مذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية ومسودة البديل الديموقراطي والدستور الإنتقالي المتفق عليه من قبل قوى الإجماع الوطني ، إلا أن وجوده خارج البلاد مغترباً في كينيا يظهر أنه كان مشغولاً بحياته الخاصة وغير متابع لمجريات الأحداث ،مما جعله يخرج صفر اليدين من هذا الإجتماع حتى كتب معاتباً الرفاق على صفحته الخاصة في الفيس بوك يشكو من حملهم عليه مما أسماه خطأً واحداً وهو يقول (كفى بالمرء عيباً أن يقول كل ما يعرف ) حتى بات قريبا من أن يفقده المؤتمر الشعبي فإنطبق عليه القول المرسال مشى وما جاء) .


م. إسماعيل فرج الله ً
عطبرة 12/01/2013م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق